كيف تنجو سفن الإعلام؟

كيف تنجو سفن الإعلام؟

فى الثاني عشر من فبراير الماضي، تشارك مستخدمون على الإنترنت مقطع فيديو منتجاً بالذكاء الاصطناعي لاختبار سلاح طاقة موجه من سفينة حربية أمريكية، مصحوباً بمزاعم أنه حقيقي، في حين أن المشهد الذي يماثل أفلام الخيال العلمي لم يكن حقيقياً.

نفت البحرية الأمريكية صحته، فهي لم تصدر هذا المقطع أو أي مقاطع أخرى تظهر اختبار سلاح لليزر. التلاعب بالفيديو الذي أنشئ من صورة متداولة على حسابات البحرية الأمريكية، يؤشر إلى أثر الذكاء الاصطناعي المتصاعد في الحقيقة وخداع الجمهور الذي يشكل تحدياً خطِراً حول الحقائق التي تبحث عنها مؤسسات الإعلام المهني.

تمثل التكنولوجيا في مسألة التحقق مأزقاً وفرصة لغرف الأخبار، لأنها من جهة تستدعي هؤلاء المحققين المهنيين لمحاصرة الأكاذيب وكشف تضليلها، ومن جهة أخرى تحمل تحدياً لأنها تضعف الصوت المهني في ظل انتشارها!

فى تقرير رويترز للأخبار والاتجاهات الرقمية لعام ٢٠٢٥، أعرب قادة غرف الأخبار عن قلقهم المتزايد إزاء التحديات التي يحملها العام الجاري في ظل الصعود التكنولوجى الذي يجعل الأكاذيب أكثر إقناعاً!

هذا العبء تتضاعف آثاره ويشكل تحدياً يومياً في التغطيات الإخبارية، يغذيه خطاب الفضاء الاجتماعى الصاخب، المليء بالدعاية والاستقطاب والكراهية، وينتج كماً هائلاً من الأكاذيب على وقع الصراعات التي تضرب الكرة الأرضية.

صار الأمر أشبه بالمشي على الأشواك، فالماكينة التكنولوجية الساعية للتضليل لا تهدأ، والفرق التحريرية التي تتشكل لتدقيق المعلومات والتحقق لا يمكنها بحال السيطرة على هذه الاتجاهات المتزايدة في صناعة الأخبار الكاذبة.

التطور التكنولوجى وواقع فضاء الإنترنت يجعلان المكافحة صعبة، لأن التحقق من الواجب أن يكون ثقافة عالمية لدى الجمهور عند تلقي المحتوى.

تواجه غرف الأخبار عدداً هائلاً من الصور والفيديوهات والنصوص السيارة على منصات التواصل الاجتماعي، وتقنياتها قد تخدع أي مستخدم، بل إن الإعلام نفسه قد يقع في أخطاء، وقد اعتذرت وسائل إعلامية عن مثل هذه الأخطاء حتى في الصحافة الغربية!

فى قمة الحكومات في دبى عام ٢٠٢٤، لفت كبير علماء الذكاء الاصطناعي في فيسبوك «يان ليكون» إلى أن العالم بحاجة إلى محققين في ظل الكم الهائل من المعلومات المصنوعة عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهنا يأتي دور الصحفيين كما قال.

يدفع هذا التحدي الصحفيين إلى مهارات أخرى تضاف إلى الخبرات والقدرات المهنية، أولها الثقافة الرقمية المؤهلة للتعامل مع تحدي الذكاء الاصطناعي وكذلك مهارات التحقق التي تستخدم فيها التكنولوجيا لكشف ما تم تحريفه بالتكنولوجيا.

التقنيات الناشئة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التوليدى ستعيد تشكيل أنشطة غرف الأخبار، حيث اعترف ٨٧٪ من المديرين التنفيذيين بقدراته حسب تقرير «رويترز».

ولعل ساندار بيتشاي الرئيس التنفيذى لـ«جوجل» كان محقاً عندما قال إن الدرس الأهم حالياً هو أن الذكاء الاصطناعي سيكون متاحاً بشكل أوسع، وضرب مثلاً بظهور «ديب سيك» الصيني وما أحدثه من تغير في التصورات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي.

الإعلام سيتغير مع موجات التكنولوجيا، لكن أصوله المهنية المرعية هي الشيء الثابت الوحيد والشرط الأساسى للقدرة على استيعاب أي مستجد على غرف الأخبار، لهذا فالتمسك بجذور المهنة هو منارة الفرص داخل غرف أخبار المستقبل، وكذلك مرساة لنجاة سفن الإعلام في بحار متلاطمة من التحديات.


نقلاً عن صحيفة المصري اليوم


 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية